سورة الفرقان - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}
الجملة بعد (إلا) صفة لموصوف محذوف. والمعنى: وما أرسلنا قبلك أحداً من المرسلين إلاّ آكلين وماشين. وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور. أعني من المرسلين ونحوه قوله عزّ من قائل: {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 164] على معنى: وما منا أحد. وقرئ: {ويمشون} على البناء للمفعول، أي: تمشيهم حوائجهم أو الناس. ولو قرئ: {يمشون}، لكان أوجه لولا الرواية. وقيل: هو احتجاج على من قال: {مَا لهذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِى فِي الاسواق} [الفرقان: 7]. {فِتْنَةً} أي محنة وابتلاء. وهذا تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قالوه واستبدعوه، من أكله الطعام ومشيه في الأسواق بعد ما احتج عليهم بسائر الرسل، يقول: وجرت عادتي وموجب حكمتي على ابتلاء بعضكم أيها الناس ببعض. والمعنى: أنه أبتلى المرسلين منهم بالمرسل إليهم، وبمناصبتهم لهم العداوة، وأقاويلهم الخارجة عن حدّ الإنصاف، وأنواع أذاهم، وطلب منهم الصبر الجميل، ونحوه {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذلك مِنْ عَزْمِ الأمور} [آل عمران: 186] وموقع {أَتَصْبِرُونَ} بعد ذكر الفتنة موقع {أَيُّكُمْ} بعد الابتلاء في قوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود: 27]، [الملك: 2] {بَصِيراً} عالماً بالصواب فيما يبتلي به وغيره فلا يضيقنّ صدرك، ولا يستخفنك أقاويلهم فإن في صبرك عليها سعادتك وفوزك في الدارين. وقيل: هو تسلية له عليه الصلاة والسلام عما عيروه به من الفقر، حين قالوا: أو يلقى إليه كنز، أو تكون له جنة، وأنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء؛ لينظر: هل يصبرون؟ وأنها حكمته ومشيئته: يغني من يشاء ويفقر من يشاء. وقيل: جعلناك فتنة لهم؛ لأنك لو كنت غنياً صاحب كنوز وجنان لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا، أو ممزوجة بالدنيا؛ فإنما بعثناك فقيراً ليكون طاعة من يطيعك خالصة لوجه الله من غير طمع دنيوي. وقيل: كان أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل ومن في طبقتهم يقولون: إن إسلمنا وقد أسلم قبلنا عمار وصهيب، وبلال وفلان وفلان ترفعوا علينا إدلالاً بالسابقة، فهو افتتان بعضهم ببعض.


{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)}
أي لا يأملون لقاءنا بالخير لأنهم كفرة. أو لا يخافون لقاءنا بالشر. والرجاء في لغة تهامة: الخوف، وبه فسر قوله تعالى: {لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح: 13] جعلت الصيرورة إلى دار جزائه بمنزلة لقائه لو كان ملقياً.. اقترحوا من الآيات أن ينزل الله عليهم الملائكة فتخبرهم بأن محمداً صادقاً حتى يصدقوه. أو يروا الله جهرة فيأمرهم بتصديقه واتباعه. ولا يخلو: إما أن يكونوا عالمين بأن الله لا يرسل الملائكة إلى غير الأنبياء، وأن الله لا يصحّ أن يرى. وإنما علقوا إيمانهم عالمين بأن الله لا يكون. وإما أن لا يكونوا عالمين بذلك وإنما أرادوا التعنت باقتراح آيات سوى الآيات التي نزلت وقامت بها الحجة عليهم، كما فعل قوم موسى حين قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة.
فإن قلت: ما معنى {فِى أَنفُسِهِمْ}؟ قلت: معناه أنهم أضمروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد في قلوبهم واعتقدوه. كما قال: {إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم ببالغيه} [غافر: 56]. {وَعَتَوْا} وتجاوزوا الحدّ في الظلم. يقال: عتا علينا فلان. وقد وصف العتوّ بالكبير، فبالغ في إفراطه يعني أنهم لم يَجْسروا على هذا القول العظيم، إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتوّ، واللام جواب قسم محذوف. وهذه الجملة في حسن استئنافها غاية. وفي أسلوبها قول القائل:
وَجَارَةُ جَسَّاسٍ أَبَأَنَا بِنَابِهَا *** كُلَيْباً غَلَتْ نَابٌ كُلَيْبٌ بَوَاؤُهَا
وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ التعجب. ألا ترى أن المعنى: ما أشدّ استكبارهم، وما أكبر عتوّهم، وما أغلى ناباً بواؤها كليب.


{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)}
{يَوْمَ يَرَوْنَ} منصوب بأحد شيئين: إما بما دلّ عليه {لاَ بشرى} أي: يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى أو يعدمونها. ويومئذ للتكرير وإما بإضمار (اذكر) أي: اذكر يوم يرون الملائكة ثم قال: {لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ لّلْمُجْرِمِينَ}. وقوله (للمجرمين): إما ظاهر في موضع ضمير وإما لأنه عام فقدتنا ولهم بعمومه وقوله: {حِجْراً مَّحْجُوراً} ذكره سيبويه في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو: معاذ الله، وقعدك الله، وعمرك الله. وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدوّ موتور أو هجوم نازلة، أو نحو ذلك. يضعونها موضع الاستعاذة. قال سيبويه: ويقول الرجل للرجل: أتفعل كذا وكذا، فيقول: حجراً، وهي من حجره إذا منعه؛ لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه فلا يلحقه فكان المعنى: أسأل الله أن يمنع ذلك منعاً ويحجره حجراً. ومجيئه على فعل أو فعل في قراءة الحسن، تصرف فيه لاختصاصه بموضع واحد، كما كان قعدك وعمرك كذلك، وأنشدت لبعض الرّجاز:
قالَتْ وَفِيهَا حَيْدَةٌ وَذُعْرٌ *** عُوذٌ بِرَبِّي مِنْكُمُ وَحِجْرُ
فإن قلت: فإذ قد ثبت أنه من باب المصادر، فما معنى وصفه بمحجور؟ قلت: جاءت هذه الصفة لتأكيد معنى الحجر، كما قالوا. ذيل ذائل، والذيل: الهوان. وموت مائت. والمعنى في الآية: أنهم يطلبون نزول الملائكة ويقترحونه، وهم إذا رأوهم عند الموت أو يوم القيامة كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم، لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون، قالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدوّ الموتور وشدّة النازلة. وقيل: هو من قول الملائكة ومعناه: حراماً محرماً عليكم الغفران والجنة والبشرى، أي: جعل الله ذلك حراماً عليكم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8